فنون الشعر العربي

5.00 Avg rating1 Votes
Publisher: دار القلم للطباعة و النشر و التوزيع - بيروت /
Authors:
Pages: 304 pages
Binding: Hardcover

لعل أهم مقاييس الحداثة الشعرية، كما يعلن عنها كبار النقّاد الغربيين المعاصرين، وجوب الإبقاء على الفواصل الأساسية بين لغتي الأدب: الشعر والنثر. فمهما تقاربت الحدود بين المنظوم والمرسل من أساليب الكلام: كأن يفيد الكتّاب في طرائقهم من سمات الشعر وطبائع الشعراء، أو يكتسب الشعراء، في المقابل، من مهارات الناثرين في صنيعهم الشعري، فليس من صالح هذا الفريق أو ذاك، أن يجري كل واحد منهما في حلبة الآخر حتى نهاية الشوط، والأبعد من ذلك بالنسبة للشعراء، يمكن الجزم وبكثير من اليقين، أن إمعان الشعراء في الانزياح عن عالمهم الخاص لمنافسة الناثرين في حقلهم بالذات.. ليس دليل عافية ولا عنوان صحة في عالم الشعر. فهناك دلالة أساسية جوهرية على سموّ الشعر وارتفاعه إلى مرتبة الحداثة.. وهي أن يظل ما ينفرد به الشاعر في قوله، مستعصياً، إن لم يكن مستحيلاً بالقياس إلى لغة المنثور ومنطق هذه اللغة. وليس شيء أدعى إلى الأسف، وأكثر إثارة للأسى، من رؤية طائفة من أدعياء الحداثة في الشعر، الذين تقاصرت مواهبهم عن امتلك موازين الخليل وعروضه، يندفعون مخدوعين بباعث من هذا القصور وعلى صهوة "مركّب التعالي" لاهثين وراء أزياء من شعر الحداثة هم غرباء عنها بهويتهم الاجتماعية وتجربتهم الوجدانية، لأن مثل هذه الأزياء ليست من ثمرات المدّ الحضاري العربي الذي تمردوا عليه وتطاولوا على قيمه وأصوله. وهم بهذا الانحراف الثقافي يعانون اغتراباً مزدوجاً وضياعاً متمادياً ويستثنى من هؤلاء كوكبة معروفة من شعراء الحداثة، هم أولئك الذين دخلوا الحلبة على جيادهم العربية الأصيلة فاجتازوا الشوط الكلاسيكي بنجاح فتابعوا الجري في ميدان الحداثة الشعرية في مدّ ثقافي أصيل، دون أن ينتقصوا من التراثية والأصالة.


في ضوء هذه المفارقة بين أعلام في الأصالة الشعرية، يقتحمون الحداثة تحت رايات المدّ الثقافي العربي، وطائفة أصابتها عدوى الحداثة الغربية فانكشف مع الزمن عريها وانكفأت ولم تحلق. في ضوء هذا وذاك، وفي الوقت الذي تتعالى فيه أصوات الأدباء والنقاد في محافل الآداب الغربية للعودة إلى الجذور، أراد المؤلف أن يكون كتابه هذا "في رياض الشعر العربي" تأكيداً على أمور ثلاثة: 1- أن الأصالة هي البدء، وأن كل حداثة لا تجد جذورها في تراث الماضي ليست إلا طفرة لا تلبث أن تتلاشى في عالم الضياع والنسيان، وأن تراث الشعر العربي غني بحدائقه ورياضه.


لهذه الغايات السامية، ومن منطلق الحرص على الجذور، لتكون أساساً في مجاري نهر الحداثة عنى المؤلف بدراسة بعض مسالك الشعر العربي وتطورها في عدد من مراحل الآداب العربية بين الجاهلية والعصر العباسي. وسيجد القارئ المحب للآداب في تلك الأضواء التي ألقاها الكاتب على عدد من الأغراض الشعرية كالحماسة والوصف والرثاء، الرواء الأدبي وصفاء العطاء الشعري عند أولئك الشعراء الأفذاذ بوجدانيتهم الصادقة وبيانهم السويّ وأخيلتهم اللطيفة.

Reviews

Required fields are marked *. Your email address will not be published.
Omar Alshareef Mar 07, 2024
جدا مميز لعشاق الأدب والشعر العربي